لتكن عدالة السماء ارحم من عدالة الأرض
كلما وقع خبر جريمة شرف على مسامع أفراد مجتمع القرن الواحد والعشرين، ضجت وسائل التواصل الإجتماعي. احتشد المتظاهرون في الشوارع. تحرك الرأي العام لرمي اللوم على الجهات "المسؤولة". فهل هذه الجريمة مبعثة من لاّمبالاة مجتمعنا؟ أو أنها ظاهرة ذات جذور راسخة في أذهان المجتمعات العشائرية فقط؟ هل يكفي شك أحد أفراد العائلة لأخذ القرار بإدانة الفتاة؟ وهل السلطات موافقة على وجود جرائم بالمثل تنتهك توقعات الأمن للبشر المسالمين في الدولة؟
في شهر آب (أغسطس) الماضي، كانت إحدى هذه الجرائم موضوع تداول إعلامي واسع، محفوفٍ بغضب قلوب ذوي الضمائر الحية. حيث لا يمضي، إلا بضعة أسابيع، على خبر قتل النساء بدافع "غسل العار"، ليعود المجتمع الذكوري بخبر جريمة أشنع من التي سبقت. وهذا تماماً ما حدث مع الفتاة الفلسطينية، اسراء غريّب (22 سنة)، حيث لم يكتفوا المجرمين بالقتل بل حاولوا التشويه والتشهير بسمعة الفتاة، متخفيا المجرم وراء قصة التباس الجن لغريّب.
احترق قلب البعيد قبل القريب، وشرع كل من له دليل بتقديمه للمحكمة ولكن ما الذي يمكننا قوله أمام عقلية تبرر هذا النحو من الجرائم. في أعماق الذهن الباطني عند مجتمع الشرق الأوسط، يرتبط شرف العائلة كلها "بالسلوك الجنسي" لأي امرأة تنتسب إليهم. وكي يكون رأس الوالد والأخ مرفوع، يجب أن تلقى الفتاة مصرعها بين أيديهم. ولا يشترط، على من سيقوم بالجريمة، أن يتأكد من ارتكاب المرأة لأي خطأ أخلاقي في المسلك الجنسي. بل وبكل أعصاب باردة، مجرد الشك يكفي بتقرير الإدانة والشروع بتنفيذ الجريمة.
طبعاً، لا يمكننا لوم شاب في ربيع عمره، على سلوكٍ تدعمه البيئات المحيطة له. هذا المسلك الجرائمي تحوّل إلى ما يشبه العُرف الاجتماعي، يساهم فيه بشكل غير مباشر، كل من يرى ما يحصل الآن، "هو انفتاحاً غير مقبول في المجتمع".
فالذي يفترض أن رجل الدين، يطبق الأحكام الشرعية، ويكافح هذه الظاهرة بتفسير أن المشروعية التي يتخذها رجال العصر لا تجيزه، بل وتراه من شرائع الجاهلية الأولى. يكون في أغلب الأحيان الداعم الأول لهذه الجريمة، وبجانبه يقف رجل القانون، على حياد، دون تشريع أقسى العقوبات على من يرتكب جريمة. وهنا "تضيع الطاسة"، ويضيع شعور الأمن والطمأنينة عند أفراد المجتمع. فالرعب والخوف يتمركز في قلوبهم حين يعلمون أن القانون لم يستطع تطبيق العدالة أو إعطاء كل مظلوم حقه.
فكارثة اسراء غريّب، تعكس مبدأ المساواة الإنسانية الذي تنتهكه ثقافة مجتمعات متخلفة جاهلة بحق النساء لصالح تحيّز ذكوري صارخ. فكل ما علينا فعله، كأفراد مجتمع يطمح للتقدم والتطور، أن نعمل جاهدين على تغيير الفكر العربي، وتربية رجالنا على مبدأ مساندة المرأة لا التفريط بها.
Comments