اسمعوا الحلقة على صفحة البودكاست...
“لن تكون أموالي عوائد للإقتصاد اللبنانيَّة ما دام الوضع كذلك، دولارتنا تصبح مسيَّسة أو محجوزة وهذا إذ لم يتم سرقتهم كلهم”، هكذا وبغصة قلب وحسرة على لبنان المنهوب عبَّر قائد سابق لفريق مركز الاتصال في “بنك ميد”، لواء وائل باز، الذي يبلغ من العمر ٢٩ عاماً بعد اغترابه في الثالث والعشرين من أيلول / سبتمبر عام ٢٠٢٠، بسبب الأزمة الاقتصاديَّة المتجه نحو الهاوية والأهم عدم الاستقرار الأمني والخطر الدائم على حياة اللبنانيين. فرحمةً من الرب لم يكن متواجد باز على رأس عمله القريب جداً من موقع انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في الرابع من آب/ أغسطس عام ٢٠٢٠.
هذه الفاجعة لشعب لبنان أجبرت باز على التخلي عن كل شيء ليتخذ قراراً مصيريآً، “أنا هربت من بلدي لأفتش على مكان آمن للعيش فيه وتأمين حياة مستقرة وكريمة لعائلتي في المستقبل”. وكغيره من الشباب ترك باز وراءه ١٠ أعوامٍ من الكد والتعب للإرتقاء في عمله ليبدأ من الصفر في المجال المصرفي الإماراتي كمتدرب في فرع بنك في الإمارات ولكن لا يصرَّح له الإعلان عنه لنا، لكنه لا يندم.
فقال لصحيفة محمد بن راشد للإعلام: “بدأت الآن بالعيش بعد الوصول إلى الإمارات”، مشيراً إلى أنه بدأت تتضح له صورة كيفيَّة معاملة الإنسان في بلد يحترم مواطنيه والمقيمين على أراضي الدولة وكيف أنَّ السلطة، شيوخ الدولة، هم الأجدر في كسب ثقة الشعب ووعدهم بالعمل على أن تصبح دبي أفضل مدينة للعيش في ٢٠٤٠ بحسب “خطة دبي الحضريَّة”.
لواء باز في إمارة الشارقة في دولة الإمارات العربيَّة المتحدة بعد انتهاء نقاش في بودكاست “كراسيا يا دني” مع رزان أبو شقرا – أذار / مارس ٢٤، ٢٠٢١. تصوير رزان أبو شقرا.
لكن تزامناً مع رؤية السلطة الحاكمة في دولة الإمارات العربيَّة المتحدة، تغدو السلطة والحكومة اللبنانيَّة لتجاوز الدين العام للبنان الذي بلغ أكثر من ١٧٠٪ من الناتج الإجمالي بحسب تقرير “مجموعة النقد الدولي“ لعام ٢٠٢٠. ومع تزايد معدل البطالة في البلاد وعامل الركود في التقدم والتوسع المهني، قطع الشباب اللبنانيين الأمل في حياة كريمة لهم ولأسرهم. ونتج عن ذلك بأنَّ كل من تسنت له فرصة الهجرة أن يترك ورائه عائلته وأصدقائه وكل ما يملك ليأتي إلى الأراضي الإماراتيَّة ويتعرف إلى عوالم وثقافات جديدة جداً.
هل سيعاد تاريخ هجرة الشباب من لبنان؟
في هذا الشأن، وفي حديثنا مع مسؤول إداريّ من القنصليَّة اللبنانيَّة في دبي، محمود شرف الدين، أكدَّ لنا بأن الطاقة الشبابيَّة التي تخرج من لبنان في الوقت الحالي تشبه خروج الشباب والشابات أيضاً ما بعد الحرب الأهليَّة اللبنانيَّة، وحسب قوله “سيُعاد التاريخ ذاته ولن يعودوا المغتربين إلى لبنان في أي وقت قصير فستمتد معهم لأعوام كثيرة”، وشدد على ازدياد نسب الهجرة إلى الدول الخليجيَّة بسبب توفر فرص العمل لكنه أشار إلى أنَّ الرواتب لم تعد كالسابق حيث أن “متوسط أجر المغترب اللبناني انخفض نسبياً عما كان عليه سابقاً بسبب تأثر الأسواق العالميَّة بأزمة كورونا”.
إلى أين يتجه الاقتصاد اللبناني؟
ومع تزايد الهجرة من لبنان لم يزداد معدل تحويلات المغتربين اللبنانيين الذي انخفض ليصل حوالي ٧ مليار دولار وهذه الأرقام والمعلومات التي زودنا بها الصحفي والخبير الاقتصاديّ، خالد أبو شقرا (لا قرابة بينه وبين كاتبة هذا التقرير الصحفي)، في مقابلة هاتفيَّة إلى لبنان حيث قال “لم يعد اللبناني يثق في بلده لذلك انخفضت نسب الإستثمار ولا يرسل الودائع للقطاع المصرفي فاليوم ما يُرسل من أموال هي فقط للأهل لتلبية احتياجاتهم الغذائيَّة والضروريَّة”، مضيفاً بأن حوالي ٢٠٠ ألف إلى ٢٥٠ ألف عائلة فقط تستفيد من متوسط قيمة التحويل التي انخفضت من ٦٠٠ إلى ٤٠٠ دولار بسبب أزمة نقص قيمة الليرة اللبنانيَّة.
وعبَّر أبو شقرا عن قلقه الشديد بعدم وجود أي حل تقني بالوقت القريب وهذا بسبب انخراط السلطة الحاكمة في المشاكل بخصوص طرق توزيع الحقائب السياسيَّة وغيرها من المناصب أو كما يعرف في لبنان “الكرسة الحاكمة”. فأكد بأنه “يجب أن يكون هناك حل شامل مرتبط بخطة اقتصادية تعيد هيكليَّة الدولة ومصرف لبنان مع صندوق النقد الدولي لتمويل عجز الموازنة والعمل على الإصلاحات تحديداً الكهرباء والقطاع العام”.
وشدد على أنَّ لبنان على وشك الانهيار وهذا لأن “بحسب تصريحات مصرف لبنان الذي يصرف شهرياً ١٠٠٠ مليار دولار من احتياطي ١٦٠٠٠ مليار دولار في المخزون ومبلغ ١٩٠٠٠ مليار دولار دعم للدول وهم تحت تصرف مجلس النواب اللبنانيّ ليبقى معدل ٣٠ شهراً قبل انقطاع التام للكهرباء والإنترنت وكل شيء”.
وفي سؤالنا، ماذا لو لم يتم العمل على حل شامل ينقذ اقتصاد لبنان من الانهيار؟ كان رده كالتالي: “سنصبح من الدول التي تعيش على المساعدات مثل البنك الدولي الذي يوزع للعائلات الأكثر فقراً ٢٤٦ مليون دولار والجمعيات الخارجية وأيضاً سيتلقى لبنان مساعدات بشكل خاص بطريقة بدل عيش ومساعدات غذائية ليبقى الشعب على قيد الحياة”.
وجدير بالذكر أنَّ بحلول أيلول/ سبتمبر عام ٢٠١٩، انهارت الليرة اللبنانيَّة التي كانت بحدود ١٥٠٠ ليرة مقابل دولار أمريكي واحد إلى نحو ١١ ألف ليرة للدولار. وترى جمعية المصارف اللبنانية أن عدم الاستقرار السياسي أو وجود أي خطة جديَّة لتشكيل حكومة جديدة هي من أسباب انهيار سعر صرف الدولار ومع انتشار جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت في إنهاك اللبنانيين.
أما انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في الرابع من آب/ أغسطس عام ٢٠٢٠، دمر وسط بيروت بالكامل وأسفر عن مقتل ١٦٠ شخصاً وإصابة أكثر من ستة آلاف آخرين وأحدث أيضاً على خسائر ماديَّة كبيرة زادت الضغط على الوضع الاقتصاد السيء في لبنان. وعقب الانفجار عمت الفوضى في شوارع بيروت وأدى غضب الشعب إلى إعلان رئيس مجلس الوزراء اللبناني، حسان دياب، استقالة حكومته بعد ٦ أيام. وحتى الوقت الراهن، لم يتم تشكيل حكومة جديدة لحل الأزمة السياسيَّة والاقتصاديَّة في لبنان أما السياسيون اللبنانيون فيواجهون انتقادات دوليَّة بسبب عرقلتهم لوضع خطة تنقذ البلاد رغم اختلافاتهم والمشاهد السياسيَّة غير المستقر في البلاد منذ الحرب الأهليَّة في لبنان.
Comments