تقرير رزان أبو شقرا وميسا عيد
صرخة بعض العلاقات الاجتماعية
"الأزمة التي نعيشها جرّاء تفشي فيروس كورونا مختلفة عن الكوارث الطبيعية لأنها مستمرة ولا نعرف متى ستنتهي"، هكذا وصف حاكم نيويورك "آندرو كومو" الوضع الحالي مع ازدياد بقعة تفشي كورونا بالعالم. نتيجة لهذه الأزمة، انهار الاقتصاد العالمي، وتوقفت السياحة والعديد من الأعمال، ومازال هذا الفيروس يحصد أرواح الآلاف من البشر. الأسوأ من كل هذا أنّ الأطباء مازالوا عاجزين عن معرفة كيفية انتقال هذا الفيروس، وبالتالي، فإنّ اللقاحات لا تزال تحت الاختبارات.
نتيجة إلى ذلك، أُجبر الملايين حول العالم على الالتزام بالإجراءات اللازمة لمكافحة كورونا، ويعتبر الحجر المنزلي أحد هذه الإجراءات. وفي ظل هذا الحجر، يتم الحد من انتشار فيروس كورونا عن طريق منع التجمعات، ولكن ماذا عن التجمعات العائلية داخل المنازل؟ من سيحمي النساء الذين يتعرضن للعنف كوسيلة للتخلص من الشحنات السلبية في الرجال؟ وماذا عن الأطفال الذين تُحفر بذاكرتهم هذه الصور الموحشة؟ ومن سيحمي الأطفال الذين يتلقون الضرب رغم أرواحهم البريئة؟ ساعد الحجر المنزلي من الحد من جائحة كورونا، لكنه ساهم في خلق بذرة النزاعات والعنف في عقول العديد من العائلات بحسب ما ذكرته صحيفة "فرانس 24" (France 24).
استبيان حول تأثير الحجر المنزلي في ظل تخطي فيروس "كورونا" (COVID - 19) المستجد، على العلاقات الاجتماعية والعائلية.
لم تختلف وجهات نظر المشاركين في هذا الاستبيان في ظل التزام معظم أفراد الدول بالحجر المنزلي وعدم مغادرة البيوت إلا للضرورة. فضم هذا الاستبيان آراء ١٦٦ مشاركات. وفيما يلي بعض الرسوم البيانية التي تعرض ما توصلنا إليه:-
رأي المرشدة النفسية "سمية أبو حية":
"الطفل ورقة بيضاء وأي تصرف أمامه يؤثر على شخصيته"، هكذا سلّطت الضوء المرشدة النفسية والأخصائية الاجتماعية "سمية أبو حية" على الفئة الأكثر تضرراً بالنزاعات الاجتماعية في ظل الحجر المنزلي. وذكرت أبو حية أنّ النزاعات العائلية أمام الأطفال ستؤثر على سلوكهم وتصرفاتهم في المستقبل لأنها ستختزن في ذاكرتهم.
وقسّمت المرشدة العائلات إلى نوعين، النوع الأول اتخذ من الحجر المنزلي وسيلة لحل المشكلات المتراكمة على مدى السنين، وبخاصةً أنّ الوقت لم يعد يشكّل عائقاً أمام النزاعات. على سبيل المثال، العديد من القوى العاملة بدأت "بالعمل عن بعد"، فأصبح الوقت كافياً للنقاش والتفاهم بين أفراد الأسرة. أما بالنسبة للنوع الثاني، فاختار أنْ يقلب المنزل إلى كابوس يهابه الأطفال، وأنْ ينظر إلى الجزء الفارغ من الوعاء.
في مثل هذه الحالات، اختارت العائلات أنْ ترمي عيدان من النار على زيوت مشاكلهم، فقررت أنْ تتوجه للجانب السلبي من الحجر المنزلي. بمعنى آخر، أصبح هناك تباعد نفسي بين أفراد العائلة بالإَضافة إلى التباعد الجسدي.
ولكن، شدّدت أبو حية على أنّ تأثير الحجر المنزلي كان إيجابياً بالنسبة لأغلب العائلات، وبخاصةً في فلسطين، كما قالت إنّ "العائلات المتماسكة لا يمكن أنْ تتفكك بفيروس لا يُرى بالعين المجردة، أما بالنسبة للعائلات التي تتخللها النزاعات بين الحين والآخر، فساهم كورونا في تدميرها". وتمثلت نصيحة المرشدة بالإكثار من الاجتماعات العائلية كل يوم؛ للتعرف على التفاصيل الكامنة بين أفراد الأسرة التي كانت كعائق أمام الانشغال بالعمل. بالإَضافة إلى ذلك، "الاعتراف بوجود المشاكل" هو المفتاح لجميع الأبواب الحاجزة لسعادة الأسرة.
آثار الأوبئة المفاجئة على الأنماط السلوكية في مجتمعات العالم مع دكتورة في علم النفس الاجتماعي، د.مروة عبد الحميد أحمد.
منذ عام 430 قبل الميلاد وحتى وباء كورونا المستجد، كان للأوبئة أثرٌ واضح على مجتمعات العالم وتاريخ البشرية. فظهور الطاعون أو وباء الإنفلونزا الإسبانية، جعل علماء النفس الاجتماعي يلاحظوا اختلافاً في أنماط سلوكية ونفسية جماعية ترتبط بزمن تلك الأوبئة فضلاً عن أمراض أخرى مثل الايدز.
فوضحت عبد الحميد، مفهوم "سيكولوجية الأوبئة" الذي يُدرس من خلالها "أنماط استجابات المجتمعات" في إطار "موجات من الخوف الجماعي بسبب السلوكيات والاستراتيجيات البائسة لتفسير شيء جديد لا تتوفر معلومات مطمئنة لمكافحته". كما أضافت بأن كلما زادت المدة الزمنية لأي حالة طوارئ تُرِكت المساحة للاجتهادات الفردية التي تتعلق "بأي بصيص أمل في النجاة وإن كانت على نطاق ممارسات سلوكيات غير منطقية بالمطلق".
وذكرت عبد الحميد التي تعمل في مركز لايف وركس دبي، بأن اكتشافات عدة ربطت شعور القلق والخوف والضغط في "ظهور معالم اللاعقلانية في السلوك الإنساني المزدوج الذي يخفي بقشرة من العقلانية سلوكيات متناقضة غير منطقية" تُعيد الفرد إلى زمن التفكير الفطري البدائي. لذلك تنصح بعدم اتخاذ قرارات هامة بخصوص حياتنا في هذه الفترة الضاغطة التي تدفع البعض إلى فقدان قدرتهم على سيطرة غضبهم وسلوكهم العنيف تجاه من حولهم.
الحجر المنزلي فرصة للنمو فأطلقوا العنان لأنفسكم مع دكتورة في علم النفس الإكلينيكي، د. دانييلا سالازار.
"المرونة العاطفية هي القدرة على استعادة الإنتاجية في المواقف الصعبة وفي بيئة العمل المليئة بالقلق" هذه هي الفكرة العامة التي تتخللها ندوات عبر الإنترنت يقدمها مختصين في "The Lighthouse Center" في دبي. وتقول سالازار بأن المرونة العاطفية متصلة بالشجاعة والذكاء العاطفي - "Emotional Intelligence" - وتضيف بأن من يمتلك هذه القدرة على التكيف سيكون مستعداً بشكل أفضل لإدراك التغيير في مشاعره وأفكاره التي تدفعه نحو القلق أو الاكتئاب.
وتؤكد سالازار أن هذا هو الوقت المثالي للتعرف على نفسك وتوجه سلوكك نحو الأشياء التي هي الأهم في حياتك حتى تتمكن من رؤية الحالة السائدة كفرصة للنمو و"ليس شيئًا يحدث لك إنه شيء يحدث لإجلك".
تُعد تأثيرات الأوبئة طويلة المدى، وانعكاساتها على السلوكيات الفردية قد تؤدي إلى تصاعد شعور الشك كما يراه توماس هوبز، غريزة الإنسان في حبّ البقاء قد تؤدي إلى "الكلّ في حرب ضدّ الكلّ"، خاصة أن أزمة كورونا - COVID - 19 لا تشبه أي من الأزمات التاريخية. وهذا لأن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي يلعبان دوراً في تخفيف آثار التباعد الاجتماعي للتضامن مع أي حالة من الأزمات التي تهدد مصير المجتمع ككل.
Comments